الأحد، 10 فبراير 2013

الحبكة يلزمها فارسي و يهودي ، الأفريقي لا ينفع

الحبكة يلزمها فارسي و يهودي ، الأفريقي لا ينفع

فندت في مقال سابق بعنوان : عمر بن حفصون ، لماذا نبشوا قبره ، و مثلوا بجثته ؟ التهمة التي ألصقت بعمر بن حفصون ، و تم بها تبرير نبش قبره ، و التمثيل بجثته ، و هي التهمة التي أخذ بها العلامة الهولندي رينهرت دوزي في كتابه القيم : تاريخ مسلمي الأندلس ، و هو الكتاب الذي ترجمه إلى العربية الراحل الكبير ، د . حسن حبشي ، رحمة الله عليه ، بعنوان : المسلمون في الأندلس ، و في هذا المقال سأستكمل ، بإذن الله ، تفنيد أكذوبة أخرى ، جاءت في الكتاب ، و هي أكذوبة النسب الفاطمي الميموني القداحي ، و لكن نظرا لأن الدولة الفاطمية ليست فقط جزء من التاريخ المصري ، بل و صفحة مضيئة فيه ، فإنني لن أقتصر في تفنيدي على ما جاء في كتاب دوزي .
إنها مهمة كل مصري ، أن يذود عن التاريخ المصري بكافة مراحلة ، و هي المهمة التي دفعتني من قبل لكتابة مقال : الدولة الفاطمية هذه هي الحقيقة ، و مقال : القفز فوق المرحلة القبطية فصام في الشخصية المصرية ، و مقال : حروب مصر في عهد محمد علي هي حروب دفاع و إستقلال ، و المقالان الأخيران موجودان أيضا كتسجلين صوتيين في يوتيوب .
بالطبع هناك أكاذيب أخرى قديمة تتعلق بالفاطميين ، و أخذ بها دوزي ، و بخاصة إيمانه بأن الدولة الفاطمية ، أو الدعوة الإسماعيلية ، كانت برمتها مؤامرة ، و لكني سأكتفي في هذا المقال بالتعرض لقضية واحدة ، هي النسب الفاطمي .
خطأ دوزي في التعامل مع قضية النسب الفاطمي ، هو نفس خطئه في التعامل مع قصة عمر بن حفصون ، حين أخذ في كتابه الثمين عن تاريخ مسلمي الأندلس بـأقوال الأقدمين ، دون تمحيص ، ففي قضية النسب الفاطمي يبدو بوضوح إنه سلم بصحة أقوال ابن رازم ، و التي وصلتنا من خلال الشريف أخو محسن ، لينقلها لنا مؤرخون لم تفقد كتبهم مثل المقريزي ، و الدودار ، و ابن الأثير ، و النويري .
خلاصة القصة التي أوردها دوزي حول النسب الفاطمي هي أن أصل الأسرة الفاطمية شخص يدعى عبد الله بن ميمون القداح ، ينحدر من أسرة فارسية ، مانوية العقيدة .
هذه خلاصة القصة ، و التي زاد فيها بعضهم فجعل أحد أحفاد عبد الله بن ميمون القداح يتبنى طفلاً يهودياً ، و هو الطفل الذي سيصبح في القصة إسمه سعيد ، و الذي تجعله القصة بعد ذلك : عبيد الله المهدي ، مؤسس الدولة الفاطمية ، فتم إدخال العنصر الفارسي ، مع اليهودي ، في الحبكة القصصية .
الأصل اليهودي قصة متهاوية ، و هناك من رفضها من الأقدمين ، لمنافاتها للمنطق السليم ، و لهذا السبب لم ينقلها لنا دوزي في كتابه ، و هو الذي يأخذ فقط بالقديم ، و لكن لا أعرف لماذا لم يبحث دوزي عن أصل عبد الله بن ميمون القداح ؟؟؟
لو كلف دوزي نفسه بالنظر لأحد كتب الحديث المعترف بها لدى أهل السنة لوجد إسم عبد الله بن ميمون في حديث روى عن جعفر الصادق ، رضي الله عنه .
و لو زاد في التعمق في البحث عن عبد الله بن ميمون القداح هذا لوجد في كتب الأقدمين من الشيعة - و هم الأدرى برجالهم - ذكر له ، فقد ذكره النجاشي ، في الرجال ، و قال عنه : كان عبد الله بن ميمون الأسود القداح ، أحد موالي بني مخزوم … و كان يروي عن الإمام الصادق ، و هو رجل ثقة ، و تنسب إليه كتب مثل مبعث النبي و صفة الجنة و النار .
كما ذكر الكشي عبد الله بن ميمون القداح هذا ، و قال عنه إنه كان يقول بالتزيد .
إذا نحن أمام شخصية ليست أسطورية ، أو زائفة ، أو عاشت حياتها في سرية مطلقة ، تجعل الغموض يلف بها ، بل أمامنا شخصية معروفة ، و موضع ثقة السني ، و الشيعي .
لنترك دوزي ، لأنه ليس إلا ناقل عن الأقدمين ، و لنتعرض للأقدمين الذين حبكوا قصة النسب الفاطمي الميموني القداحي المزعوم .
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : لماذا تجاهل الأقدمون في حبكتهم لقصة المؤامرة الفاطمية ، أن عبد الله بن ميمون القداح ، كان من أصل أفريقي ، برغم وصف النجاشي له ، في الرجال ، بالأسود ، و في مصادر أخرى تم تحديد الأصل بدقة أكثر ، فكان نوبي ؟؟؟
ذلك لأن الذين حبكوا قصة النسب الفاطمي الميموني القداحي ، أرادوا أن تلقى رواج بين العامة لتحطيم الفاطميين في نظر العوام ، و لكي تروج قصة النسب الفاطمي الميموني القداحي يجب أن تحظى بالقبول لدى العامة بأن تستجيب لذوقهم ، و هو الذوق الذي يتحكم فيه ما في وعي العامة من تصورات لبعض المجموعات البشرية ، و لمتبعي بعض الديانات ، فكان مزج العنصر الفارسي ، مع الديانة المانوية ، مع اليهود كمجموعة بشرية ، و كدين ، في قالب قصصي ، إستجابة لما في الوعي العربي العامي عن اليهود ، و الفرس ، و آنذاك عن المانوية ، فالمؤامرة المزعومة لا ينفع فيها العنصر الأفريقي ، أو النوبي ، لما إلتصق عن الإثنين في الوعي العامي العربي من صدق ، و كرم ، و غير ذلك من الصفات الحميدة التي لا تنفع في حبك قصة مؤامرة كبيرة .
أليست الغالبية العظمى لدينا لليوم لديها نفس الأراء عن اليهود ، و الفرس ؟؟؟
لست بحاجة لذكر ما في الوعي العام لدى معظم العرب ، قديما ، و حديثا ، عن اليهود لأنه معروف ، و أفاض في ذكره كثيرون ، من مسلمين ، و غير مسلمين ، و لكن أليست الغالبية العظمى لدينا لليوم لديها أراء سلبية عن الفرس ؟؟؟
فقط أذكر بالدعاية السعودية بحق الإيرانيين ، فلا زالت دعاية آل سعود تنعتهم بالفرس ، و كأن كلمة فرس سبة ، و لازالت تتهمهم بالشعوبية ، و بإظهار الإسلام ، مع إبطان المجوسية ، و كأنه توجد قوة بشرية ما تستطيع أن تمنع الشعب الإيراني من التحول للمجوسية لو أراد بمعظمه ذلك الأن .
لقد كانت قصة المؤامرة ، ليكتب لها الرواج ، في حاجة لفارسي ، و يهودي ، و إلى المانوية ، و اليهودية ، و لهذا أستبعدت الأفريقي ، أو النوبي ، لأنه يفسد الحبكة ، مثلما كان من الضروري تجاهل السيرة الحسنة لعبد الله بن ميمون القداح الحقيقي ، فكم من الناس يقرأون ، خاصة في زمن إطلاق القصة ، بل و اليوم ؟
لقد كان الأولى بدوزي أن يبحث عن أصل عبد الله بن ميمون القداح ، و أن يضع في إعتباره ما ورد من شهادات بصحة النسب الفاطمي لأشخاص لا شك في نسبتهم لمحمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، و أن يتذكر شعر أحد أشراف بغداد بصحة النسب الفاطمي ، ثم يضع الصورة كاملة أمام قارئ كتابه ، ليترك للقارئ فرصة التوصل لرأي شخصي ، إن لم يتفق مع ما آمن به الكاتب ، كما كان يفعل هيرودوت ، فهذا أول درس لقنه للمؤرخين - بشكل غير مباشر - أبو التاريخ .
لكن برغم كل تلك الهفوات التي أخذتها على رينهرت دوزي ، فسيظل كتابه المشار إليه أعلاه ، أحد أقيم الكتب ، إن لم يكن أقيمها ، فيما يتعلق بتاريخ مسلمي الأندلس ، و أحد كتبي المفضلة .

15-07-2010
ملحوظة دائمة : رجاء تجاهل ما قد يرد في المقالات من تشويه ، أو تلاعب ، و هو الذي يشمل تشويه طريقة كتابة بعض الكلمات ، أو بالحذف و / أو الإضافة ، و ليكن التركيز دائما على صلب المقالات .

يعد مقال : السنن السورية السياسية السيئة ، مثال حديث للتلاعب الأمني الصبياني ، و يتضح ذلك في أول جملة بالمقال ، حيث أضيفت كلمة على ، و في موضع أخر كذلك كان هناك شبيه بذلك التلاعب الصبياني .

أحمد محمد عبد المنعم إبراهيم حسنين محمد علي عبد الرحمن الحسني ؛ اسم العائلة : الحسنية ، و ينطق بفتح الحاء
الاسم النضالي المختصر : أحمد حسنين الحسنية / أحمد حسنين الحسني
الاسم في الأوراق الرسمية : أحمد محمد عبد المنعم إبراهيم
تاريخ الميلاد في الأوراق الرسمية : الحادي و العشرون من يونيو من عام 1969
المنفى القسري : بوخارست - رومانيا
حزب كل مصر - حكم ، شعار الحزب : تراث - ضمير - حرية - رفاهية - تقدم - إستعيدوا مصر

15-07-2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق