شفيق إستفزاز سليماني للشعب
في عهد مبارك كانت السلطة حريصة على توجيه تهمة السرية لجماعة الإخوان المسلمين ، و كانت تستند - جزئياً - في توجيه ذلك الإتهام على سلوكيات الإخوان أثناء إنتخابات مجلس الشعب ؛ و من تلك السلوكيات : الدخول بأكثر من مرشح في نفس الدائرة ، أحيانا يكون واحد منهم على الأقل غير معروف بإنتمائه للإخوان ثم توجيه كل الأصوات الإخوانية بإتجاه ذلك المرشح .
سلوكيات إخوانية معروفة ، و الإضطهاد الذي كانت المعارضة تعاني منه في عصر مبارك يبرر ذلك ، و ليس في ذلك السلوك - على حد علمي - ما يخالف القانون ، و على العموم أنا في هذا المقال لا أريد تبرير سلوكيات جماعة الإخوان ، فهم قادرون على ذلك ، و صوتهم أصبح أعلى صوت في مصر حاليا بعد النظام الحاكم ، كما إنني لست بصدد دراسة الأساليب الإخوانية في الحملات الإنتخابية .
ما أبغيه من هذا المقال هو دراسة السلوك الإنتخابي للنظام الحاكم الحالي ، في الإنتخابات الرئاسية التي جرت في مايو و يونيو من هذا العام ، 2012 ، بإيجاز لأصل من تلك الدراسة إلى نتيجة .
من السهل ملاحظة أن النظام الحاكم ، الذي لازال البعض يدعوه بالفلول ، تبنى نفس السلوك الإخواني ، و بكفاءة أكبر ، و هذا يتضح في النقاط التالية :
أولاً : نزل النظام الحاكم بأكثر من مرشح ؛ إثنان من الواضح إنهما جزء منه ، و أعني شفيق و موسى ، و واحد من المعارضة التي صنعتها السلطة ، و آخر على تفاهم جيد مع السلطة ، و أعني بالأخير أبو الفتوح ، لتفتييت أصوات المعارضة .
ثانياً : قامت السلطة بحملة تضليل محلية و إقليمية و عالمية ، من خلال وسائل الإعلام المختلفة و المنتمية للمستويات الثلاثة السابقة الذكر ، قدمت بها عمرو موسى على إنه مرشح النظام الحاكم الحالي .
ثالثاً : من نتائج الجولة الأولى إتضح أن أصوات مؤيدي نظام مبارك لم تتفتت بين موسى و شفيق ، بل صبت في أغلبيتها الساحقة بإتجاه المرشح الذي لم تسلط عليه الأضواء ، و أعتبره الكثيرون مجرد مشارك شرفي ، و أعني شفيق .
سلوكيات تدل على تخطيط محكم ، جرى على مستويات كبيرة ، لأننا هنا ندرس إنتخابات رئاسية على مستوى مصر ، و ليس إنتخابات في دائرة إنتخابية صغيرة ، و نتحدث عن وسائل إعلام محلية و إقليمية و عالمية كلها قدمت عمرو موسى على إنه مرشح أعوان مبارك ، أو النظام الحاكم ، كذلك أن تصب أصوات أعوان مبارك على مستوى مصر بإتجاه مرشح واحد ، في سرية تامة ، وبدون أن تفتت تقريباً ، بحيث يمكن أن يتقدم ذلك المرشح للمركز الثاني في الجولة الأولى .
تخطيط محكم بالفعل ، و لا يقل أهمية عن إحكامه هو أن تنفيذه جرى على مستوى ضخم ، هو مصر ككل ، من أقصاها إلى أقصاها جغرافيا ، و بكتلة إنتخابية كبيرة ، و في سرية تامة ، و بإلتزام و إنضباط تام .
فمن الذي يقف وراء ذلك التخطيط ، و ذلك التنفيذ ؟
التخطيط واضح إنه ليس من بنات أفكار المجلس العسكري ، فالمجلس العسكري من المعروف نمط تفكيره .
التنفيذ بضخامته ، و سريته ، و إنضباطه ، أيضا لا يمكن أن يكون من جانب المجلس العسكري الحاكم ، لأن ذلك التنفيذ يلزمه جهاز أخطبوطي ضخم ، تصل أذرعه لكافة أنحاء مصر ، و منذ زمن طويل .
وزارة الداخلية ليس هذا هو أسلوبها في العمل ، و لكن بالتأكيد شاركت فيه كأحد الأدوات التنفيذية ليس إلا .
الحزب الوطني المنحل أيضا ليس هذا تخطيطه ، و لا أسلوبه في العمل ، و كلنا نعلم كيف كان الحزب الوطني .
التخطيط هو تخطيط جهاز المخابرات السليمانية ، و التنفيذ أيضا من جانبها ، و لكنها بالتأكيد أستخدمت بعض الأدوات الأخرى مثل : الداخلية و الكوادر الموثوق بها في الحزب الوطني ، و أعوانها في الإعلام المحلي و الإقليمي ، و إتصالاتها بوسائل الإعلام العالمية الصديقة لنظام مبارك مثل قناة السي إن إن الدولية .
الآن يأتي سؤال لماذا كان كل هذا الجهد من أجل شفيق ؟؟؟
لقد كان بإمكان المخابرات السليمانية حسم المعركة الإنتخابية من الجولة الأولى ، بتوجيه الأصوات التي إتجهت لصالح شفيق لتصب لصالح أبو الفتوح ، فأصوات شفيق مجموعة مع أصوات أبو الفتوح ، لصالح أبو الفتوح ، كانت كافية لفوز أبو الفتوح .
فوز أبو الفتوح لم يكن ليشكل مشكلة لنظام أعوان مبارك لأنه على إتصال جيد بالمجلس العسكري الحاكم ، و بالتالي لا إعتراض عليه من المخابرات السليمانية كشخص ، و كذلك لا إعتراض خليجي عليه و لا غربي ، و كان فوزه سيسكت جزء كبير من أنصار التيارات السياسية الإسلامية ، و لن يثير ثائرة الكثير من التيارات المدنية بعد الجهد الذي بذلة لكسبها لصفه ، و لن يعد فوزه هزيمة مكشوفة للثورة كفوز شفيق أو مرسي .
فوز أبو الفتوح كان سيمر في هدوء ، و ربما إبتهج بعض الذين لا يعلمون الحقيقة بفوزه ، و كان بإمكان الجهاز الإعلامي التابع للسلطة أن يروج لفكرة أن فوز أبو الفتوح إنتصار للثورة و إستكمال لها و تتويج لإرادة شهداء الثورة ، كما سبق و أن أوهم البعض بأن الثورة أكتملت بسقوط مبارك .
لكن من الواضح أن الهدوء ، أو إستقرار الأوضاع ، ليس ما تريده السلطة الحالية ، و هذا الرأي يدعمه التصرفات الأخرى للنظام الحاكم .
لقد إختارت السلطة أحد أكثر الأشخاص إستفزازا للشعب لتقدمه للصف الأمامي .
نتائج شفيق في الإنتخابات الرئاسية إستفزاز سليماني متعمد للشعب ، و دليل على قوة المخابرات السليمانية و جبروتها .
ملحوظة : إنتهيت من هذا المقال في تمام الساعة التاسعة و ثمانية عشر دقيقة صباحا بتوقيت جرينتش ، و ذلك صباح يوم الأربعاء الموافق العشرين من يونيو 2012 .
أحمد محمد عبد المنعم إبراهيم حسنين الحسني
حزب كل مصر - حكم ، شعار الحزب : تراث - ضمير - حرية - رفاهية - تقدم - إستعيدوا مصر
20-06-2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق